القيم الاخلاقية واجتماعية لقصيدة ابن رومي رأيتُ حمَّالاً مُبينَ العمى
انت الآن في موقع مصر النهاردة المميز ، نوفر لكم القيم الاخلاقية واجتماعية لقصيدة ابن رومي رأيتُ حمَّالاً مُبينَ العمى
يشرفنا زيارتكم ونسعد بتقديم افضل الأخبار والأجوبة والحلول لكافة المواضيع ونقدمها لحضراتكم كما عودناكم دوما
اذا لم تجد اي اجابة كاملة حول القيم الاخلاقية واجتماعية لقصيدة ابن رومي رأيتُ حمَّالاً مُبينَ العمى فاننا ننصحك بإستخدام محرك البحث في موقعنا مصر النهاردة وبالتأكيد ستجد اجابة وافية ولا تنس ان تنظر ايضا للمواضيع الأخرى اسفل هذا الموضوع وستجد ما يفيدك
الحمال الأعمى و الجصاص التاجر
في تاريخ الأدب العربي و الشعر العربي على الخصوص ملامح إنسانية عميقة الجذور و صور اجتماعية رائعة الألوان لكأنك تقرأ أحياناً شعراً حديثاً يعالج مشكلات النفس و المجتمع.
ليس المهم في الشعر أن يكون قديماً أو حديثاً، و لكن المهم أن يكون هذا و ذاك شعراً تقدميا.
و كما نعثر في الشعر العربي القديم على أدب تقدمي نعثر في الشعر العربي الحديث على أثر رجعي.
و لعل من أوضح هذه الملامح الإنسانية ذات الدلالة الاجتماعية صورة الحمال الأعمى الذي وصفه ابن الرومي في شعره و خصه بقصيدة كاملة، تعد من أروع الأوصاف في الشعر العربي، و خاصة في تصوير الفقراء.
موضوع القصيدة أوحاه إلى ابن الرومي منظر حمال أعمى رآه الشاعر يسير في الأسواق يتعثر بالناس و يتعثر الناس به قاصدين أو غير قاصدين و هو يحمل على ظهره أثقالاً لا يستطيع الأقوياء من الرجال حملها، و الأعمى المسكين مستسلم للمكروه، كأنما هو عبد، يمشي و هو حامل أثقاله ليأكل لقمة عيشه، ليكسب كسرة خبزه، و لم يكن ذلك لأنه يحب مزاحمة الناس له و اصطدام الجمال و أشباهها به و لكنه فر إلى العمل المرهق و إلى الحمل المهلك هرباً من لؤم الناس و من حاجته إلى فضلات الأغنياء، فر إلى حمل الأثقال فوق ظهره فوق ما يحمل من أثقال العمى في عينيه، ليتخلص من حمل منة يمنها عليه لئيم وغد، و صدقة يلقي بها أليه غني ذميم.
لقد كان هذا الحمال الأعمى مثال الإنسان الشريف الذي يضن على شرفه ان يهان بكلمات الأوغاد و ردود البخلاء، و على كرامته أن تذل بالصدقات و العطايا. إنه نموذج إنساني كامل للرجل الصابر، الذي يعمل بيده، و يحمل فوق ظهره و هو أعمى، لكي يكسب قوته بيده و عرقه و عماه، لكي لا يحتاج إلى لئيم، فالنار ولا العار، و الموت خير من سؤال اللئيم
قال ابن الرومي في وصف هذا الرجل العظيم:
رأيت حمالاً مبين العمى
محتملاً ثقلاُ على ظهره
بين جمالات و أشباهها
و كلهم يصدمه عامداً
و البائس المسكين مستسلم
و ما أشتهى ذاك و لكنه
فر إلى الحمل على ضعفه
يعثر في الأكم و في الوهد
تضيق عنه قوة الجلد
من بشر ناموا عن المجد
أو تائه اللب بلا عمد
أذل للمكروه من عبد
فر من اللؤم إلى الجهد
من كلحات المكثر الوغد
و في العصر الذي عاش فيه هذا الأعمى النبيل، و في الوقت الذي كان يحمل فيه هذا المسكين الأثقال على ظهره ليكسب قوت يومه، و لعله كان يريد أن يكسب قوت عياله، ذلك أن ابن الرومي لم يوضح لنا وضع هذا الأعمى و هل كانت له أسرة، في هذا الوقت و في هذا العصر كان يعيش رجل آخر يمتلك الملايين، و يعبث بالملايين، و تصادر الدولة أمواله مرات و تعيش منها خزانة الدولة مرات، و يستعيد رغم كل هذه المصادرات أمواله و ينميها مرة بعد مرة.
كان يعيش في زمن هذا الحمال الأعمى تاجر مبصر هو ابن الجصاص، مات ابن الرومي في عام 284هـ على أحسن تقدير و مات ابن الجصاص في عام 320هـ على أبعد حد
و لكم كانت الحرب العالمية الثانية مصدراً لفكاهات عجيبة عن أثرياء الحرب، و لكن ابن الجصاص كان أكبر هذه الفكاهات و أشد النوادر غرابة و طرافة.
قال أبو اسحق الحصري صاحب زهر الآداب في كتابه «ذيل زهر الآداب» أو « جمع الجواهر في الملح و النوادر..
كان الخليفة المعتضد إذا رأى ابن الجصاص يقول: هذا الأحمق المرزوق. و كان أوسع الناس دنيا ، له من المال ما لا ينتهي إلى عده، و لا يوقف عند حده.
قال ابن الجصاص لأصحابه يوماً: مالكم تقولون خسر فلان و خسر فلان، و لقد تمنيت أن أخسر فدلوني على طريقة أخسر فيها.
قالوا: اشتر التمر من الكوفة و بعه بالبصرة، و البصرة أجود تمراً و أكثر خيراً.
و فعل ابن الجصاص ذلك و اشترى تمر الكوفة فاتفق أن نخل البصرة لم يحمل في ذلك العام فنقل إليها تمر الكوفة و ربح ربحاً واسعاً.
في هذا الوقت الذي كان يبحث فيه ابن الجصاص عن طريقة ليخسر كان الحمال الأعمى يحمل أثقاله ليربح قوته.
تقدم الوزير علي بن عيسى إلى أبي عبد الله الجصاص في البكور، فأتاه نصف النهار، فقال الوزير: ما أخرك يا أبا عبد الله؟ قال: بمحلتي أعز الله الأمير كلاب تنبح الليل أجمع، فأسهرتني البارحة، فلما كان مع وجه السحر سكن نباحها فنمت، فغلبتني عيني إلى الآن: فقال له: و مالك يا أبا عبد الله لا تتقدم في قتلها قال: و من يستطيعها أيها الوزير، و كل واحد منها مثلي و مثل أبيك رحمه الله.
و خرجت يده من الفراش في ليلة باردة فأعادها جسده بثقل النوم فأيقظته فقبض على يده الأخرى و صاح: اللصوص اللصوص. هذا اللص جاء ينتزعني و قد قبضت عليه أدركوني لئلا يكون في يده حديدة يضربني بها. فجاؤوا بالسراج فوجدوه قد قبض على يده.
أما جهل ابن الجصاص فقد بلغ به الغاية: دخل على ابن له و قد احتضر فبكى عند رأسه و قال: كفاك الله يا ابني الليلة مؤونة هاروت و ماروت، قالوا و ما هاروت و ماروت؟
قال: لعن الله النسيان، إنما أردت يأجوج و مأجوج.
قالوا: و ما يأجوج و مأجوج؟
قال: فطالوت و جالوت.
قالوا: فلعلك أردت منكراً ونكيراً . قال: و الله ما أردت إلا غيرهما يريد ما أردت غيرهما.
هذا الأحمق المرزوق صادره الخليفة المقتدر على ستة آلاف ألف دينار، أي على ستة ملايين من الدنانير.
حكي عن ابن الجوزى أنه قال: أخذوا ما مقداره ستة ألف ألف دينار عيناً و ورقاً و قماشاً و خيلاً و بقي له بعد المصادرة شيء كثير إلى الغاية من دور و قماش و أموال و بضائع و ضياع.
و لقد خاف المصادرة يوماً فلجأ إلى تجريب التعذيب على نفسه: فقد غفل عنه أهله يوماً فسمعوا صياحه، فأتوه فوجدوه في بيت كالميت. فقالوا: ما لك؟ قال: فكرت في كثرة مالي و شدة مصادرة السلطان للتجار في هذا الوقت و تعذيبه لهم بالتعليق. فعلقت نفسي و نظرت كيف صبري. فزحلت فلم أتخلص حتى كدت أموت.
و عندما خلع ابن المعتز عن الخلافة لجأ إلى دار ابن الجصاص و طولب ابن الجصاص بالتجائه إليه و أراد المقتدر قتله فافتدى نفسه بدفع ألف دينار كل يوم
و من أطرف طرائف ابن الجصاص علمه بالأموات و كيف يغتسلون: فقد تأخر كاتب من كتابه ذات يوم: فسأله ابن الجصاص علام تأخر، فقال له: ماتت أمي . فنادى ابن الجصاص غلاماً له و أمره أن يأتي بأحسن مغسل للموتى ليتولى غسل أم الكاتب على حسابه… و شكره الكاتب فلما ألح ابن الجصاص قال له: يا سيدي ليس في دين الإسلام أن يتولى الرجل غسل المرأة الميتة، و إنما تتولى المرأة المرأة في ذلك.
فتعجب ابن الجصاص من ذلك و قال هذه القولة الذكية: يا سبحان الله! و أمك امرأة؟!
و نحن نقول على نمط ابن الجصاص: يا سبحان الله هذا الأحمق المرزوق، الذي يملك ما تعيش به خزينة الدولة سنين، و ذلك الأعمى الحمال هو الشريف الذي لا يملك قوت يومه: و رحم الله الشاعر الذي وصفه فأجاد وصفه حين قال:
رأيت حمالاً مبين العمى
محتملاً ثقلاُ على ظهره
بين جمالات و أشباهها
و كلهم يصدمه عامداً
و البائس المسكين مستسلم
و ما أشتهى ذاك و لكنه
فر إلى الحمل على ضعفه
يعثر في الأكم و في الوهد
تضيق عنه قوة الجلد
من بشر ناموا عن المجد
أو تائه اللب بلا عمد
أذل للمكروه من عبد
فر من اللؤم إلى الجهد
من كلحات المكثر الوغد