دولي

ما المذهب الاقتصادي المهيمن حاليا في العالم

الحديث عن الاقتصاد في رأي الكثير من الباحثين وصنّاع القرار حديث شامل، يتعدى الأفكار الاقتصادية البحتة، كأن يصبح مرآة للواقع الإنساني، ليس لأنه يشمل النشاط الإنساني كله، وليس لأنه السبب المباشر في رفاهية الإنسان أو تعاسته، وإنما لأنه مقياس لتحضر الفكر الإنساني، لأن الحضارة تحولت من طورها النظري، الذي يعتمد على مجرد الأفكار وتطبيقاتها على الفرد، إلى الطور العملي، والذي تقاس فيه حياة الإنسان بكم الآلات التي يتعامل معها، وبحدودية الأرقام التي تؤثر في حياته، أو لا تؤثر لأنه برغم من ذلك، إلا أن ثمة مجتمعات تعود إلى الوراء بشكل لافت، في كل ما يمس حياة الإنسان، هذه العودة ليست مجردة الملامح، لكنها تحمل في طياتها عودة عن المبادرة والقيم والأخلاق الإنسانية، والفطرية التي أوجدها، إلى عصور قادمة من الفساد والتخلف الاقتصاديين.


فلا يمكن أن نعود إلى مجتمع البداوة، والمداواة بالعشب، والجر بالمواشي السيارة، بعد أن ارتقى العالم منازل الفلك، وبدأ يبني في المستعمرات الفضائية، تمهيداً لغزو الفضاء بالبشر العاديين.

في ظل هذا الانفتاح يمكن للاقتصاد إلا أن يمسّ حياة الإنسان بشكل مباشر على نحو خاص، وهذا ما جعل كاتب (الفقه الاقتصاد) محمد الشيرازي، في كتابه هذا الذي وزع فيه الأًصول والنظريات والفلسفات العربية وغير العربية على مجموعة من القيم الإنسانية التي تشد الفرد إلى مزيد من التحضر، وإلى مزيد من إثبات ذاته تحقيقاً لمبدأ إعمار الأرض بالطرق القويمة التي أرادها الله.

استطاع محمد الشيرازي أن يرصد مبادئ التفكير الاقتصادي على النحو التالي:

– مبادئ الاقتصاد في الفقه الإسلامي.

– مبادئ المذاهب الرأسمالية العالمية في الغرب والشرق.

– مبادئ المذاهب الاشتراكية العالمية في الغرب والشرق.

– مبادئ اقتصاد السوق.

وجاءت بدلالات وشواهد:

– الملكية الفردية.

– ربط الملكية بحقوق المواطن.

– العدالة الاجتماعية.

– التكافل الإنساني والاقتصادي.

– التوزيع العادل للموارد.

لم يكتف المؤلف محمد الشيرازي بذلك، وإنما حول المفردات الشرعية الموجودة في الفقه الإسلامي إلى ضرورات إنسانية، دون التعصب للمذهب – كما سنرى – وهذا يدل على أنه قام بوضع رؤيته الاقتصادية منطلقاً من أفكار موضوعية تتصل بالقيم المادية المباشرة:

أولاً: استخدام المنهج الاستقصائي في البحث العلمي.

ثانياً: استخدام مفهوم المقارنات والتمثيل العملي.

ثالثاً: التعامل مع منهج تحليل المحتوى بالأسلوب التربوي.

رابعاً: شكل ثوابت للأفكار العلمية في مقابل الأفكار الزائفة، وهو بذلك إنما يؤدي دوراً مزدوج الرؤية:

جانبه الأول: فكرة وضع تصور اقتصادي شامل.

جانبه الثاني: تحويل هذا التصور إلى تطبيق عملي.

ومن هنا استخدمت أسلوب المؤلف في الشرح والتفسير والتأويل، والمراجعة والمقاربة وبلغة علمية أحياناً وأدبية أحيالناً، وهذا ما جعلني أربط بين سفر آخر في بعض ما جاء فيه، وهو سفر (الفقه الحقوق)، والذي لا يقل مكانة وقوة من سفر (الفقه الاقتصاد)، بل إن رأيي أنه يكمله، ويرسخ المبادئ التي جاءت فيه.

إن ربط المفهوم الاقتصادي بمفاهيم العدالة الاجتماعية والحقوق الإنسانية جعل قيمة المنظور الاقتصادي أعلى من وضع تصور اقتصادي بحت ليس له امتدادات أفقية ورأسية، وبالتالي يكون منبتاً عن جذوره، أو ليس له جذور على الإطلاق، وبالتالي هذا ما فطن إليه المؤلف محمد الشيرازي في تأدية الدور الفكري أولاً، ثم العملي ثانياً، وحول المفاهيم إلى أدوات والأدوات إلى وقائع، والوقائع إلى آليات عمل محددة، هذه التصورات يحتاج إليها المجتمع بشكل لافت في ما هو قادم عليه، أمام واقع إنساني أليم، استبدّ التجار بأفراده والمحتكرون بغلاله حتى أصبحنا نتقدم إلى البداوة بعد أن كنا نفرّ منها.

السابق
تحضير درس الدولة الاسلامية في الجزائر والمغرب الاسلامي
التالي
اعظم انسان في تاريخ البشرية