أولًا: إتقان الأداة:
أداة الكتابة هي اللغة بعلومها المختلفة، من: نحو وصرف، وبلاغة، وفقه لغة؛ وما يتصل بآدابها في مختلف العصور إبداعًا وتاريخًا، وإتقان هذه العلوم وما يتصل بها من وعي تام بأشكال الكتابة ورسومها يعتبر من المبادئ الأساسية للكتابة، والإجادة فيها، غير أن هناك مهارات أخرى تتعلق بإتقان الأداة غير تلك التي أشرنا إليها، وتختص بكل فن من الفنون على حدة، فكتابة الشعر تستلزم معرفة جيدة بعلم العروض والقافية، أي ببحور الشعر وأوزانه، وأسبابه وأوتاده، وزحافاته وعلله، ومصطلحاته المختلفة، وكتابة القصة بأنواعها تحتاج -بالإضافة إلى الموهبة الفطرية الخاصة- إلى الإلمام بقواعد القصة وأصولها وأساليبها وكذلك المسرحية وغيرها.
هذا هو المقوم الرئيس في فن الكتابة وبدونه لا تستقيم ولا تجود.
ثانيًا: التمرّس بالأساليب الأدبية الرفيعة
لا يتأتى هذا الشرط إلا بالمطالعة الغزيرة الواعية للكتب الأدبية المشهورة، وقراءة الآثار النثرية والشعرية المتميزة، بما في ذلك الدواوين الشعرية التي أبدعها شعراء معروفون بموهبتهم وقدراتهم، مع العمل على تذوقها وتمثلها وفهمها. ومن شأن ذلك أن يسهم في تكوين ذائقة لغوية مدربة قادرة على التمييز بين الأساليب، والتمكن من اختيار الألفاظ المناسبة. والحفظ من الضرورات التي لا غنى عنها لمن أراد أن يكون فارسًا مجليًا في ميدان الكتابة والتأليف، والذي يراجع وصايا الأدباء والشعراء للناشئة من المبدعين في كتب الأدب القديم كالعمدة لابن رشيق يقع على سرٍّ هامٍّ من أسرار الكتابة والإبداع، فهم يوصون بحفظ الدواوين والمأثورات فضلًا عن حفظ القرآن الكريم، ومعروف في هذا المقام أن الفرزدق كان قد قيد نفسه حتى حفظ كتاب الله كاملًا، كذلك فإن العديد من شعرائنا القدامى قد استظهروا عشرت الآلاف من أبيات الشعر الجيدة حتى إذا تهيأوا للكتابة، والنظم عملوا على نسيانها والتخلص من سلطانها بعد أن استقامت لغتهم واستوت قرائحهم، فالحفظ لا بد منه لإتقان الكتابة.
ثالثًا: الإلمام بالثقافة العصرية الجادة
يشهد عصرنا الراهن انفجارًا معرفيًّا فريدًا، فقد تعددت وسائل الثقافة وتكاثرت سبلها من سمعية وبصرية، ويقوم الحاسب الآلي -الآن- بدور تاريخي في إثراء الثقافة الإنسانية، والثقافة في مفهومها العام ليست تحصيل المعلومات واختزانها، وحشو الأدمغة بها؛ وإنما هي تَمَثُّلٌ لهذه المعلومات، واستخلاص لما فيها من أوجه النفع، فالثقافة سلوك ورؤية وموقف، من هنا كان المتعلم غير المثقف، فعلاوة على القراءة والاطلاع والتحصيل هناك الخبرة الحياتية التي لا تتأتى إلا لمن عركته الحياة، وسلك فجاجها المختلفة واستفاد من تجاربها، فالرحلة ثقافة لأنها تكسب الإنسان خبرة ومهارة، والكتابة الناضجة المفيدة تحتاج إلى هذه الخبرة، بل إن التجربة مادتها الرئيسية لأن بها تشكل الرؤية ومن خلالها يتخذ الموقف.