الحوار بين الحضارات والخصوصيات الثقافية
من أهم التحديات التي تطرحها العولمة أن نعرف كيف نحافظ على خصوصياتنا الثقافية دون أن يحول ذلك بيننا وبين التفاعل الإيجابي مع العولمة.
لقد أصبحنا نعيش في عصر اختزال المسافات وتقدم وسائل الاتصالات والمعلوماتية ولكننا مازلنا نتساءل كيف سيتم الحوار بين سكان هذه القرية الضخمة التي يتحدثون عنها في إطار العولمة? هل يا ترى سيتحدث الجميع لغة واحدة أم ستنشط حركة الترجمة من وإلى جميع اللغات الحية التي يتعامل بها البشر على كوكب الأرض? وهل سيكون لكل شعب من الشعوب خصوصيته الثقافية أم سيصبح جميع سكان (القرية الضخمة) ذوي ثقافة واحدة موحدة أيضا? ثم ما مصير تعدد اللغات والثقافات في الكيان الموحد الواحد في إطار العولمة?
إن الاتحاد الأوربي الذي يسعى حاليا إلى ترسيخ هوية أوربية جديدة سياسيا واقتصاديا ونقديا يرفض بشدة العولمة الثقافية التي تريد الولايات المتحدة فرضها عليه وعلى العالم أجمع ويتشبث بالخصوصيات الثقافية الأوربية. ولعل من أشد الدول والشعوب رفضا للعولمة الثقافية وتمسكا بالخصوصية الثقافية هي فرنسا التي تتمسك بموقف متشدد في هذا الصدد والتي اتخذت إجراءات قانونية صارمة سواء داخل فرنسا أو خارجها للمحافظة على لغتها الفرنسية. لقد سنت فرنسا قانونا يحظر استخدام اللغة الإنجليزية في وسائل الإعلام الفرنسية وفي التجارة وفي المحلات التجارية… الخ, وكذلك خارج فرنسا في محافل الأمم المتحدة والمنظمات الدولية حيث ترفض فرنسا رفضا باتا قبول أي قرارات أو وثائق أو مستندات باللغة الإنجليزية وتصر على أن تقوم الأمم المتحدة والمنظمات الدولية بترجمة ذلك إلى اللغة الفرنسية.
أما نحن في الدول النامية فإننا مبهورون بالتقدم التكنولوجي الهائل الذي حققه الغرب في مجال الاتصالات والإنترنت وفي العلوم الطبية وخاصة في البيولوجيا مع اكتشاف الجينوم البشري أي الخريطة الوراثية للإنسان مما سيقلب كثيرا من المفاهيم ويزلزل كثيرا من المعتقدات, ولكننا في الوقت نفسه نواجه تحديات عصرية حادة إذ كيف يمكننا أن ننمي الوعي الكوكبي عند أبنائنا ليستطيعوا الاندماج في النظام العالمي الكوكبي الجديد مع المحافظة في الوقت نفسه على خصوصياتنا الثقافية المرتكزة على أصول وثوابت ديننا الإسلامي الحنيف. لا بد لنا أن نقف في مواجهة تيار العولمة الثقافية الذي يهدف إلى فرض ثقافة القوة العظمى الوحيدة في العالم حاليا وهي الولايات المتحدة الأمريكية والتي تحاول الهيمنة على ثقافات العالم بعد أن خلت الساحة من سائر القوى الكبرى التي كانت تقف لها بالمرصاد. يجب علينا أن نثبت وجودنا على الساحة وأن نجعل خصوصياتنا الثقافية العربية الإسلامية تتفاعل مع الثقافة الأوربية والثقافة الصينية والثقافة اليابانية والثقافة الهندية ومختلف ثقافات أمريكا اللاتينية, لأن تفاعل كل هذه الثقافات بعضها مع البعض الآخر سيؤدي إلى مواجهة الثقافة الأمريكية والوقوف في وجهها حتى لا تبتلعنا جميعا.
الخصوصيات الثقافية الإسلامية
إن أول خطوة في طريق الحفاظ على الخصوصيات الثقافية هي إثبات الهوية والحفاظ عليها فهل لدينا أزمة هوية في الدول العربية والإسلامية? أو بالأحرى ما مكونات الهوية العربية الإسلامية التي نريد أن نثبتها ونواجه بها الهوية الأمريكية خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر التي فجرت قضية حوار الحضارات وليس تحدي أو صراع الحضارات كما حاول بعض مفكري الغرب ترويجه? إن إثبات هويتنا قضية شائكة ستدخلنا في متاهات ولكن ما نستطيع أن نؤكد عليه ونثبته ونتمسك به هو الخصوصية الدينية أي الدين الإسلامي كمنبع للثقافة وللحضارة العربية الإسلامية.
إن جوهر الدين الإسلامي الحنيف هو توجيه استخلاف الإنسان في الأرض حتى يتصل إلى إقامة أمة متوازنة (أمة وسط) يسود فيها السلام والعدل والمساواة الإنسانية بين الناس جميعا فيعيش الإنسان حياة متسقة مع حركة الكون. والخطاب القرآني يحث المسلمين بل الناس جميعا على التعارف فيما بينهم يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا… , والتعارف فيما بين الناس يبدأ أول ما يبدأبالحوار فيما بينهم.
ويحدد لنا القرآن الكريم الأصول التي يجب أن تكون أساسا للحوار ويضع ثوابت لهذا الحوار مثلما جاء في الآيتين الكريمتين ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن, و ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن .
إن الإسلام يخاطب الناس جميعا ولم يرد في الخطاب القرآني تفضيل قوم على قوم آخرين وإنما يعتبر الناس جميعا أمة واحدة: إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون, ولا يقر الإسلام العنصرية أو التحيز لجنس على آخر أو تفضيل لون على لون وإنما جاء ذكر الألوان في الخطاب القرآني للدلالة على قدرة الله في الخلق: ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين, وجاء الحديث الشريف ليؤكد على أنه لا فضل لقوم على قوم أو للون على لون وإنما معيار التفضيل عند الله يرتكز على دعامة مختلفة تماما: كلكم لآدم وآدم من تراب لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأعجمي على عربي ولا لأبيض على أسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى, إن أكرمكم عند الله أتقاكم (حديث صحيح). هذه هي المساواة المطلقة بين البشر دون تفرقة أو عنصرية أو تمييز بسبب الجنس أو اللون أو العرقية أو اللغة أو حتى الدين, مادام المعيار كما جاء في الحديث الشريف هو لفظ (التقوى) وليس (الإسلام).
إن هذه المبادئ التي أرساها الدين الإسلامي وأعلنها الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) منذ 14 قرنا من الزمان هي المبادئ والمعايير نفسها التي أقرها الميثاق العالمي لحقوق الإنسان من 50 عاما فقط حيث نصت المادة الثانية من هذا الميثاق على الآتي: (جميع الأفراد لهم الحقوق والحريات نفسها من دون تفرقة من أي نوع مثل الجنس أو اللون أو النوع أو اللغة أو الدين أو الآراء السياسية أو الوطنية أو الوضع الاجتماعي أو الملكية أو الميلاد أو أي أوضاع أخرى).
السِّلْم هو القاعدة
لقد أكد الإسلام على كل هذه المبادئ كمعايير أساسية للحياة في مجتمع يسود فيه الأمن والسلام وهو ما تنادي به الأمم المتحدة منذ إنشائها. إن السلام والسلم ومشتقاتهما من المصطلحات القرآنية التي جاء ذكرها في القرآن الكريم في أكثر من مائة آية بينما لم تذكر مصطلحات الحرب ومشتقاتها إلا ست مرات فقط, ولا عجب في ذلك فكلمة (إسلام ) نفسها مشتقة من (سلم), فالإسلام يدعو كل الذين آمنوا, وليس المسلمين فقط, للدخول في السلم: يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان .
فالسلم إذن هو القاعدة أما الاستثناء فهو خطوات الشيطان التي تقود إلى الهلاك وإلى الحروب وحتى إن كانت الحروب قدر على الإنسان أن يخوضها فهو يفعل ذلك كارها: كتب عليكم القتال وهو كره لكم. ولا يستقر السلام إلا على أساس من العدل بين الناس جميعا واعتبار الناس جميعا سواسية وإن اختلفوا في أطوالهم وأحجامهم إلا أنهم يكملون بعضهم بعضا: الناس سواسية كأسنان المشط (حديث شريف صحيح).
من منطلق هذه المفاهيم الإسلامية نستطيع أن نؤكد أن الإسلام أقر المساواة بين البشر والعدالة كميزان للعلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع الواحد وفيما بين المجتمعات حيث حث الخطاب القرآني على احترام العقود والعهود والمواثيق: وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها. هذا حث صريح على احترام المواثيق عامة أي المواثيق والعهود مع المسلمين وغير المسلمين, مع كل البشر, وهذا المبدأ هو أساس المواطنة الإنسانية لأن احترام الكلمة (الأيمان) أو العهد يجعل التعامل بين الناس والشعوب مبنيا على الثقة والوفاء والالتزام مما يجعل التعاون والتكافل والتعاضد مفاهيم يجب أن تسود بين الناس جميعا على ركيزة من البر المطلق: وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان .
على هذا الأساس فإن الحوار بين الشعوب والحضارات يكون بالتعاون على الخير والابتعاد عن العدوان وذلك لصالح الإنسانية فلا يستطيع أي شعب أن يعيش ولا أي دولة أن تستمر إلا بالاندماج في المجتمع الدولي لتكون عنصرا فعالا من عناصر الأسرة الدولية وتواكب التطور والتقدم في جميع المجالات الاجتماعية والاقتصادية والعلمية والصناعية والتكنولوجية والثقافية. والهدف من الحوار مع الآخر خاصة مع الغربيين هو الوجود الإسلامي على الساحة الدولية خاصة في المحافل الدولية عبر المؤتمرات العالمية التي تعقدها الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى لوضع الأسس والمعايير الحديثة للمنظور الجديدة للعالم وحتى تؤثر ثقافتنا العربية الإسلامية في الثقافات الأوربية والثقافة الأمريكية مثلما نتأثر نحن بهما.
الحفاظ على الخصوصيات
لقد آن الأوان للتقارب والتكاتف مع الدول الأوربية وكذلك مع دول الشرق الأقصى وخاصة الصين واليابان وهناك ملحوظة مهمة جدا في هذا المجال, فبالرغم من أن الصينيين واليابانيين يجيدون اللغة الأمريكية (الإنجليزية) إجادة تامة, فإن إجادة لغة الأمريكيين لم تجعل الصينيين واليابانيين يعتنقون الثقافة الأمريكية. لقد تعلموا لغة الأمريكيين ليتعرفوا على العلوم والتكنولوجيا الأمريكية وبعد أن فهموا هذه العلوم جيدا طوروها وأضافوا إليها وقاموا باختراعاتهم واكتشافاتهم التي فاقت التكنولوجيا الأمريكية ولكن الأمر اللافت للنظر والذي يجب أن نقف أمامه طويلا للاسترشاد به هو أن الصينيين واليابانيين لم ينبهروا بالثقافة الأمريكية ولم يتخذوها نهجا لحياتهم ولم يتركوها تؤثر في حياتهم الاجتماعية ولا في عاداتهم وتقاليدهم بل جعلوا بينهم وبين الثقافة الأمريكية سدا منيعا ليحافظوا على خصوصياتهم الثقافية. فهل ننتهج نهجهم ونحذو حذوهم لنحافظ على هويتنا وخصوصياتنا العربية الإسلامية أم نترك ثقافة الماكدونالدز والهامبورجر والكوكاكولا والعنف والاغتصاب والشذوذ الجنسي المباح وسيادة الدولار تطغى وتهيمن على خصوصيات الثقافة الإسلامية المرتكزة على التآخي والإيثار والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإيتاء ذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل.
وماذا فعلت الدول العربية والإسلامية للحفاظ على خصوصياتها الثقافية وأولها اللغة العربية, لغة القرآن الكريم, التي أصبحت يتيمة في ديارها وأصبح من يجيدها (عملة صعبة) نادرة الوجود لأنها (ممنوعة من الصرف) فلم يعد تدريس اللغة العربية وعلومها يحظى باهتمام العرب والمسلمين الذين تكالبوا على تعليم أولادهم اللغات الأجنبية وأهملوا تدريس اللغة العربية تماما في العقدين الماضيين. إننا نشاهد للأسف الشديد أولادنا يتخلون رويدا رويدا عن هويتهم الثقافية العربية والإسلامية عن جهل ودون إدراك أو دراية بخطورة ما يفعلون في تكالبهم على تعلم اللغة الإنجليزية وفي ارتداء الجينز والكاسكيت الأمريكاني وأكل الهامبورجرز وشرب الكوكاكولا والتهافت على محلات ماكدونالدز وعلى موسيقى الجاز. ويرجع ذلك إلى غياب التوعية الثقافية والتوجيه والإرشاد سواء في المدارس من قبل معلميهم أو في المنزل من قبل والديهم. إن الأهل والأساتذة يحثونهم على إجادة اللغة الإنجليزية ويقولون لهم إن المستقبل والعلم والتكنولوجيا في تعلم لغة الكمبيوتر والإنترنت وإن الذي لا يجيد اللغة الإنجليزية يعتبر جاهلا ولن يكون له أي مستقبل في مجال العلم والتكنولوجيا بل إن الأهل يبذلون قصارى جهدهم حتى يرسلوا أبناءهم إلى الدول الأوربية وعلى الأخص إلى الولايات المتحدة الأمريكية للاستزادة من العلم وللحصول على أعلى الشهادات العلمية في مختلف العلوم الحديثة ويضحون في سبيل تحقيق هذا الهدف بكل ما هو نفيس وغال. فلا عجب أن اهتم أولادنا باللغة الإنجليزية وبدراسة العلوم والتكنولوجيا ومن ثم إهمال اللغة العربية والعلوم الإسلامية وعدم الاكتراث بها مادام كل المطلوب منهم هو الحصول على الدرجة الأدنى التي تسمح لهم بالمرور من سنة دراسية إلى أخرى دون حتى النجاح في اللغة العربية (معظم الدول العربية تجيز نجاح الطالب الذي يحصل على 40% فقط من الدرجات في مادة اللغة العربية).
وقفة مع النفس
إذا أردنا الحفاظ على خصوصياتنا الثقافية فعلينا أن نقف وقفة مع النفس لنعيد حساباتنا ونؤكد هويتنا ولنبدأ من البداية, من أول مرحلة التعليم في مدارسنا والتأكيد على تدريس لغتنا العربية وتدريس تراثنا العربي الإسلامي الثري إلى جانب تدريس اللغات الأجنبية والعلوم الحديثة والتكنولوجيا. يجب أن يكون هناك توازن في تدريس اللغة العربية والتراث العربي والإسلامي وتدريس المواد العلمية واللغات الأجنبية وألا تطغى هذه الأخيرة على الأولى. كذلك يجب تنمية الوعي القومي والانتماء العربي الإسلامي في نفوس أولادنا وإقناعهم بأن هناك فرقا شاسعا بين تعلم لغات وعلوم وحضارة أمة من الأمم واعتناق هذه الحضارة والانتماء إليها. ولنأخذ مثال الدول الشرق آسيوية الصين واليابان والهند وكذلك دول أمريكا اللاتينية التي درست وأجادت اللغة الإنجليزية دون الانتماء والذوبان في الثقافة الأمريكية.
وهنا يبرز دور المثقفين من العلماء المسلمين للتأثير على الحكومات وعلى المسئولين عن التربية والتعليم في الدول العربية الإسلامية للتركيز على تدريس اللغة العربية ورفع شأنها وتدريس التراث العربي القديم والتعريف بالعلماء العرب القدماء الذين كان لهم فضل كبير على النهضة الأوربية في القرن الخامس عشر والذين استمدت العلوم الحديثة من اختراعاتهم واكتشافاتهم الكثير والكثير. كذلك يجب التأكيد على أهمية دور المؤسسات والهيئات العربية الإسلامية المنوط بها نشر الثقافة والعلوم العربية والإسلامية.
الكنز الباقي
إن التعددية الثقافية هي الكنز الباقي عبر الأجيال فهي نتاج انصهار الحضارات التي تعاقبت على هذا الكون منذ بدء الخليقة ومهما توحدت العلوم والمقاييس فلا يمكن أن تتوحد الثقافات واللغات في ثقافة واحدة موحدة أو في لغة واحدة يتحدث بها جميع سكان الكون. لقد جعل الله لغة لكل نوع من مخلوقاته حتى الطيور لها لغة خاصة بها كما أخبرنا الله في كتابه الكريم (منطق الطير) أي لغة الطيور, ولا يمكن لأي قوة في العالم أن تنجح في القضاء على الخصوصيات الثقافية Opecificites Culturelles لكل شعب من الشعوب.
إن الطريق شاق وطويل أمام المسلمين لإقناع العالم وخاصة الغرب بأهمية الخصوصيات الثقافية الإسلامية التي لا تتعارض البتة مع المواثيق والقوانين الدولية ولكنها يمكن أن تكملها وتثريها بما فيها من مفاهيم وروحانيات إنما الغرب في مسيس الحاجة إليها وعلينا أن نحدد معالم تلك الخصوصيات الثقافية الإسلامية والتي تعتبر القاسم المشترك لشعوب الأمة الإسلامية التي أراد الله سبحانه وتعالى أن تكون (خير أمة أخرجت للناس). على الأمة الإسلامية أن تحافظ على خصوصياتها العربية الإسلامية أمام الهجمات الشرسة التي تريد الهيمنة على عقول الناس جميعا وتفرض عليهم أسلوب تفكير واحد وكأنهم (روبوت) أي إنسان آلي وكأنما يريدون أن يضعوا هذا الإنسان في قالب واحد أي يستنسخونه ويلغون انفراديته Individualite ليصبح كل الناس على شاكلتهم, وهذا ما يرفضه الإسلام ويجب أن يتكاتف المسلمون للوقوف ضد هذا الاتجاه المدمر لأن الأسس والمبادئ والقيم التي أقرها الإسلام منذ 14 قرنا من الزمان والمرتكزة على المساواة والعدل والسلم والتعاون والالتزام بالمواثيق والعهود والمجادلة مع أهل الكتاب وعدم الغلو في الدين أو التعصب وعدم المفاضلة بين الناس أو التفريق بينهم بسبب الجنس أو اللون أو العرقية أو اللغة أو الدين, كل هذه الأسس تحفظ للإنسان المسلم هويته الإسلامية وخصوصياته الثقافية التي يجب عليه المحافظة عليها بل نشرها وتعريفها للآخرين وخاصة للغربيين وصانعي القرارات السياسية والاقتصادية وعلى مستوى العالم.
ولن يتحقق ذلك إلا إذا سارع المسلمون باللحاق بالركب للاضطلاع بدور فعال في المحافل الدولية. إن المجتمع الدولي في حاجة إلى المسلمين وإلى معرفة خصوصياتهم الثقافية لإثراء التراث العالمي للإنسانية وللتفاعل مع الثقافات والحضارات الأخرى في إطار الحوار بين الحضارات على أن يكون هذا الحوار هادفا ومستمرا ومتميزا.