الحمد لله
أولاً:
اختلف العلماء والمؤرخون في مكان قبر علي بن أبي طالب رضي الله عنه على أقوال ، أشهرها :
1. أنه دُفن في قصر الإمارة بالكوفة ، وهو قول محمد بن سعد كما في "تاريخ بغداد " ( 1 / 136 ) للخطيب البغدادي ، وقول ابن خلكان ، كما في كتابه " وفيات الأعيان " ( 4 / 55 ) ، ونسبه شيخ الإسلام ابن تيمية في " مجموع الفتاوى " ( 27 / 446 ) لجمهور أهل المعرفة .
2. أنه دُفن في الكوفة في مكان غير معلوم ، وهو قول عبد الله العجلي ، كما نقله عنه الخطيب البغدادي في كتابه " تاريخ بغداد " ( 1 / 136 ) .
3. أنه دُفن في الكوفة أولاً ثم نقله ابنه الحسن إلى المدينة ، وهو قول الحافظ أبي نعيم ، كما نقله عنه الخطيب البغدادي في " تاريخ بغداد " ( 1 / 137 ) .
4. أنه لا يُدرى أين قبره على الحقيقة ، وهو قول إبراهيم الحربي ، كما نقله عنه ابن أبي يعلى في كتابه " طبقات الحنابلة " ( 1 / 92 ) ، وهو قول كمال الدين محمد بن موسى بن عيسى الدميري ، كما ذكره في كتابه " حياة الحيوان الكبرى " ( 2 / 308 ) .
وأقرب الأقوال إلى الصحة أنه دُفن في قصر الإمارة في الكوفة ، ولا يُدرى على الحقيقة البقعة التي دُفن فيها في القصر ؛ وقد عُمَّي مكان قبره لئلا تنبشه الخوارج فيعرضونه للمهانة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – :
"ومثل مَن يظن مِن الجهال أن قبر علي بباطن النجف ، وأهل العلم بالكوفة وغيرها يعلمون بطلان هذا ، ويعلمون أن عليّاً ومعاوية وعمرو بن العاص كلٌّ منهم دفن في قصر الإمارة ببلده خوفاً عليه من الخوارج أن ينبشوه" انتهى من" منهاج السنة النبوية " ( 7 / 43 ) .
وقال ابن تغري بردي – رحمه الله – :
"وقال جعفر بن محمد عن أبيه قال : صلَّى الحسن على عليٍّ رضي الله عنه ، ودُفن بالكوفة عند قصر الإمارة ، وعمِّي قبره لئلا تنبشه الخوارج" انتهى من" النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة " ( 1 / 120 ) .
ثانياً:
أما المشهد الذي في النجف والذي يزعم الرافضة أنه قبر علي بن أبي طالب فمما يُجزم بكذبه ، وأول من زعم أن قبر علي بن أبي طالب في " النجف " هو : عضد الدولة البويهي أبو شجاع فنَّاخُسرو ابن السلطان الحسن الملقب ركن الدولة البويهي الديلمي ، والذي توفي سنة 372 هـ .
قال الذهبي – رحمه الله – في ترجمته – :
"وكان شيعيَّا جلداً ، أظهر بالنجف قبراً زعم أنه قبر الإمام علي ، وبنى عليه المشهد ، وأقام شعار الرفض ، ومأتم عاشوراء ، والاعتزال" انتهى من" سير أعلام النبلاء " ( 16 / 250 ) .
وقد قال بعض العلماء إن ذاك القبر الذي أظهره ذاك الحاكم الرافضي هو قبر الصحابي الجليل المغيرة بن شعبه رضي الله عنه
قال الذهبي – رحمه الله – :
"وقال مطيَّن : لو علمت الرافضة قبر من هذا الذي يزار بظاهر الكوفة لرجمته ، هذا قبر المغيرة بن شعبة " انتهى من" تاريخ الإسلام " ( 3 / 651 ) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – :
"وأما المشهد الذي بـ " النجف " : فأهل المعرفة متفقون على أنه ليس بقبر علي ، بل قيل : إنه قبر المغيرة بن شعبة ، ولم يكن أحدٌ يذكر أن هذا قبر علي ولا يقصده أحد أكثر من ثلاثمائة سنة مع كثرة المسلمين من أهل البيت والشيعة وغيرهم وحكمهم بالكوفة ، وإنما اتخذوا ذلك مشهداً في ملك بني بويه الأعاجم بعد موت علي بأكثر من ثلاثمائة سنة ، ورووا حكاية فيها أن الرشيد كان يأتي إلى تلك ، وأشياء لا تقوم بها حجة" انتهى من" مجموع الفتاوى " ( 4 / 502 ) .
وقال – رحمه الله – أيضاً – :
"وأما مشهد علي : فعامة العلماء على أنه ليس قبره ، بل قد قيل : إنه قبر المغيرة بن شعبة ؛ وذلك أنه إنما أظهر بعد نحو ثلاثمائة سنة من موت علي ، في إمارة بني بويه … .
وجمهور أهل المعرفة يقولون : إن عليّاً إنما دُفن فى قصر الإمارة بالكوفة أو قريبا منه ، وهكذا هو السنَّة ، فإن حمل ميت من الكوفة إلى مكان بعيد ليس فيه فضيلة : أمر غير مشروع ، فلا يظن بآل علي رضى الله عنه أنهم فعلوا به ذلك ، ولا يظن أيضا أن ذلك خفي على أهل بيته وعلى المسلمين ثلاثمائة سنة حتى أظهره قوم من الأعاجم الجهال ذوي الأهواء"
انتهى من" مجموع الفتاوى " ( 27 / 446 ، 447 ) .
وإذا كان ذاك المشهد في النجف ليس هو قبر علي بن أبي طالب رضي الله عنه فأولى بأن يكون كذباً ادعاء أن قبره رضي الله عنه في " أفغانستان " في " مزار الشريف " ! وإنما يدَّعي ذلك ويزعمه القبوريون الذي يسوِّقون للشرك في الأمة ، وكم لهم في ذلك ادعاءات ومزاعم يُعلم أنها كذب ككذبهم في مكان قبر آدم وهود وقابيل وكثير غيرهم من الصالحين ، وقد سبق بيان شيء من هذا في جوابي
وإنه حتى لو عُلم أن هذا القبر أو ذاك هو عين البقعة التي دفن فيها علي رضي الله عنه أو غيره من الصحابة ، بل ولو كان نبيّاً من الأنبياء ، فإنه لا يشك موحِّد عاقل أن ما يفعله أولئك القبوريون عند تلك القبور من الدعاء والطواف والذبح والزحف إلى قبره ، أن ذلك كله من الشرك الأكبر والكفر المخرج من ملة الإسلام .